إن الطمع الذي يولد فينا الجشع ليس إلاّ انعكاساً لشعورنا بالفراغ ...
نحن لسنا بحاجة لقمع هذا الطمع و إنما بتيسير فهمنا له و لوجوده في حياتنا نتساير معه و لا يسيرنا .. من ثم لا يصبح له مجال لأي حال في مسيرتنا فتتطهر و تتنقى سيرتنا.
الإنسان بتناغمه مع الكون و مكونه يصبح مكتملاً في وجوده و كينونته .... و إذا كان يسير عكس المسار الوجودي للكون فلن يكون هناك أي احتمال لأي اكتمال ...
بل ستكون هناك ثغرة شاسعة وواسعة لا يمكن ان يسدها أي شيء... بل في هذا
الفراغ ينمو شبح الطمع .. و يبدأ الإنسان في حيرة من أمره و في رحلة لا نهاية لها من الجشع..
و لاحتواء هذا الفراغ يطمع الإنسان في كل ما حوله من مال لا يرضي أي حال,
أصدقاء لا تجد فيهم روح النقاء, أحباء لا يحتويهم الوفاء و الصفاء, أو أي شيء يمكن أن يسد هذا الفراغ ... لكنه تناسى بأنه ينبع في داخله و ليس من خارجه..
و لتروي هذا الفراغ الذي يحتويك... اما أن تكون في انسجام مع الوجود, عندها العالم سيصبح أنت و أنت العالم تحتويه و يحتويك تطويه فيطويك ...
حينها تشعر بجمال الاكتمال الذي يملئ كيانك.
و إذا لم يكن سعينا إلى هذا التناغم الوجودي و أكثرنا في هذا الطريق فاشلون
و تائهون بل كارهون... عندها تختار السهل و القريب و نملئ الفراغ الذي يحتوينا
بأشياء عقيمة من أي قيمة... لا تستجيب لأي مجيب.
إن الطمع هو تعبيراً لفراغ يعتري في داخلنا ...
و بتفهمك ووعيك لمعنى الطمع ستصبح حينها واعياً بأنه نتيجة لانفصالك عن الوجود و ما يلبث أن يختفي عند اتصالك ووصالك به.
و هذا لا يعني بأن تعيش متقشفا بل عليك أن تتفهم بأنك لست هنا لجمع الأشياء
و أنما لجمع نفسك و بالتوحد معها تصبح متوحدا وواحدا مع الوجود...
عندها ستتبدل نظرتك حسب قدرتك.
و تجد أكثر الناس يعملون لاكتناز المال... دون أن يكون له نفع في أي حال...
فقد تجده يجمع ليقمع و يطمع في المزيد.... و هذا الانعكاس للفراغ الذي في داخله محاولا بأن يملئه بملئ عينيه بما يملك في خارجه دون الالتفات للف نفسه من الداخل..
إن الشيء إذا لم يكن له نفع فليست هناك حاجة لوجوده.... و لكن ما نقوم به هو العكس .. حيث ينعكس في عدة وجهات...
عندما ترى الناس يأكلون دونما الشعور بالجوع و على علم منهم لا يبالون بالابتلاء الذي يعتريهم و أنما يأكلون و يثقلون في الأوزان و الميزان.. و هذا أحد السبل لملئ هذا الفراغ..
و بهذا تختف الجهات و الوجهات و الطرق الذي يملئ بها الشخص فراغه و بالرغم من ذلك لا يحتويه أي شيء.. و يبقى في تعاسة و حيرة من أمره, حيث ليس هناك ما يسد ثغرة الفراغ الذي تعتريه.
و الطمع ليس رغبة تعترينا وإنما مرض يحتوينا من الداخل ..
أنت لست منسجما و متناغما مع الوجود و بغياب هذا الانسجام يحدث الانقسام,
و لكن إذا توحدت مع هذا التناغم دون تقسيم ستجد نفسك على الصراط المستقيم..
واحدا مع الوجود دون أي حدود.
و لكن الأديان أسأت فهم الطمع باعتباره كرغبة.. و لهذا تجدهم بشتى الطرق
يحاولون قمعه ..بأن لا تكون طماعا... و هذا ليس حلا بل قمعا..
إن الطمع ليس رغبة على الإطلاق... و بذلك ليس عليك القيام بأي شيء لقمعه... و إنما بفهمه و استيعاب الفراغ الذي يحتويك ... اسأل نفسك حيث فيها تكمن الإجابة...
لماذا أنا أشعر بالفراغ ؟؟؟؟ كل الوجود الذي يحيط بنا متكامل و كامل بكل ما احتواه
من موجود.. لماذا أنا الذي أشعر بالفراغ ؟؟ و بسؤالك سينبع من داخلك الجواب..
إذا كان الوجود بما أحتوى أنطوى في اكتماله... إذا أنا الذي لم أصبح وجودياً
كي يكتمل الفراغ الذي أشعر به..
و بسلام و محبة و بصمت الانقياء و ليس البلهاء و لتكن خطواتك قريبة من الوجود دون قيود.. كن وجودياً.. تجد العالم فيك مطويا.. هذه المسيرة التي تنبع من التأمل.
و عندها تملئك البركة و السمو و النعيم.. تتشارك و تشارك به العالم من حولك
و هذا اليوم الذي لن تشعر فيه بالطمع لا للمال و للطعام بل ترتقي لأعلى مقام..
و تصبح مطبوعا بطبيعة الطبيعة... و لن تشعر بأي طمع يحتويك ..
و لا أي جرح يعتريك.. و إنما عالما يطويك.